فراس حج محمد يكتب عن فيلم هيفاء وهبي: حلاوة روح

يعيد الفيلم مرة بعد مرة تلك الصورة النمطية الاستهلاكية للمرأة المصرية المطلقة التي يطمع فيها الكل، فلم يسلم من طمعها لا شريف ولا وضيع، كلهم يتمنونها ليقضوا معها ليلة عابرة، ولتكون حلاوة سهرة ماجنة، فلم يكن في الفيلم أي جديد، سوى أنه نقل هيفاء وهبي (روح) من صورتها المعتادة في وعي الشباب إلى تلك المرأة المقهورة المغلوب على أمرها، فلم تسقط برضاها في وحل سمساسرة (الحتة)، بل قاومت وبعنف كل الإغراءات لتظل تلك المرأة التي حافظت على عرضها، ولكن لا بد من أن يكون للفيلم رونق خاصّ، كعادة الأفلام العربية (الوسخة)، فيوقعها في شرك الاغتصاب المهين لكرامة المرأة وكرامة الرجل (ابن البلد) الأصيل، فهل يعقل أن تكون رجالة (الحتة) بهذه القذارة، أليس منهم رجل رشيد!
تابعت الفيلم لأرى ماذا سيتمخض عنه من أحداث، إذ لا حدث فيه يستحق التنويه، فالقصة مكررة ومعادة، والكلمات والتعابير والمشاهد كلها كذلك لا إدهاش فيها ولا متعة، ربما أثارتني شخصية الفتى (المراهق) سيّد، أكثر من أي شخصية أخرى، ليس لأن الدور متقن فنيا، بل لأنه تصرف أولا كمراهق يلاحق (روح) من خلَل الشباك، ثم يتحول إلى عاشق بصمت، يدافع عنها، ويحاول حمايتها، من السقوط في مستنقع القذارة، ويجنّد حوله مجموعة من المراهقين، ليحاولوا الدفاع عن روح بكل ما أوتوا من إمكانيات، ولكنهم هزموا، وأكلوا ما فيه النصيب من العذاب المهين، وهنا قضية تردٍ أخلاقي آخر، تجعل المرء يظن نفسه ويتصورها تعيش في غابة دون حسيب أو رقيب، غابة بلا قانون إلا قانون المال والجنس والمتعة العفنة العابرة، ألا يوجد رجال يدافعون عن المرأة ليتولى مهمة ذلك أولئك الصبية الصغار؟!
ينتهي الفيلم دون رؤية فنية أو أخلاقية واضحة، وكأن الفن السينمائي فقد رسالته الاجتماعية، فهل يمكن أن تكون الواقعية سوداء إلى هذه القتامة، فنحن لا نتحدث عن أفلام العشوائيات ولا عن أفلام البارات ولا عن أفلام العصابات السياسة التي لا يغير واقع الرؤيا فيها شيئا، ولكننا نتحدث عن عمل سينمائي يخص البيئة المصرية في أعمق دلالات البيئة المصرية، حيث الرجولة والشهامة (والمجدعة) التي غابت عن الفيلم إلا ما كان من موقف خجول جدا من ذلك الأعمى الذي قام بتجسيد شخصيته الفنان صلاح عبد الله، ويدعى في الفيلم (عمي زكريا)، ومع ذلك لم تسلم روح من أطماعه هو أيضا عندما ادّعى أنه يحبّها، ما أثارها وجعلها تولول وتصيح!
فيلم آخر تتحول فيه كل القيم إلى خواء، إنه معمعان للسخط الاجتماعي والأخلاقي، والسقوط المدوي للفن والسينما والنظرة إلى المجتمع المصري بكل مكوناته من الجنسين ومن كافة الأعمار، هذا المجتمع الذي لم يكن ولن يكون بهذه الصورة الموحشة التي جسدها الفيلم خلال ما يقارب من (100) دقيقة، أطاحت بكامل التاريخ الجميل في هاوية عمل يعتمد على جسد فنانة استعراضية ليس إلا!!
لا شك بأن الفيلم سيكون له متابعون كثيرون بعد ما أثيرت حوله تلك الضجة، وبعد أن منع من العرض لفترة ثم أفرج عنه ليتصدر شاشات السينما من جديد، ولكنه عمل يزيد الضغث على الإبّالة في زمن يحتاج فيه المشاهد العربي إلى جرعات من الوعي الجديد، وليس إلى جرعات من التخدير، أم أن في المسألة أمراً آخر، أو لعل الحرب على الإرهاب تتطلب مثل هذا الخواء الكامل في خوائيته المجنونة!!

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق