"زياد الرحباني بين جورج عازار والقس جوزيف موسى ايليا"
كل الشكر والتقدير للناقدة المبدعة الاستاذة جليلة المازني على هذه القراءة النقدية الرائعة مع أحر التحايا,
وإليكم هذه القراءة بقلم الاستاذة جليلة المازني الناقدة المبدعة:
قراءة نقدية مزدوجة : "في لوعة الرثاء"(زياد الرحباني الأسطورة)
"زياد الرحباني بين جورج عازار والقس جوزيف موسى ايليا"
الشاعر القس جوزيف موسى ايليا
القصيدة:"هل من جديد آت زياد؟"
الشاعر جورج عازار
القصيدة "زياد وداعا"
الناقدة: جليلة المازني (تونس).
التصدير:
يقول الشابي:يا موت قد مزّقت صدري// و قصمت بالأرزاء ظهري
القراءة النقدية المزدوجة:
"زياد الرحباني الأسطورة بين جورج عازار والقس جوزيف موسى ايليا"
تندرج قصيدة الشاعر القس جوزيف موسى ايليا والشاعر جورج عازار ضمن غرض الرثاء في الشعر.
خصائص الرثاء:
و"الرثاء هو ثناء الشاعر ومدح الميّت وذكر خصاله الحميدة...والرثاء يحمل الكثير من المشاعر الصادقة والمؤثرة في النفس عند سماعها وعدم التصنع في الشعر حتى لا تخرج القصيدة عن مغزاها الأساسي وهو رثاء الميت.
وتبدأ القصائد الرثائية غالبا بمخاطبة العين وطلب البكاء منها على فراق الميت"(1).
والمعروف أن الرثاء هو صوت البكاء مع الحركات والكلام على الميت مع ذكرمحاسنه والصفات الانسانية النبيلة فيه فالرثاء مدح صادق لمحاسن الميت.
* تجليات الرثاء في القصيدتين:
1- مرثية الشاعر القس جوزيف موسى ايليا:
أ- العنوان :" هل من جديد آت؟"
استخدم الشاعر أسلوبا انزياحيا تركيبيا قائما على الاستفهام يعبر عن شعور بالحيرة عن امكانية حصول جديد بعد فقد زياد الرحباني.
انه سؤال مشحون بثنائية التفاؤل والتشاؤم لفترة ما بعد الفقيد زياد الرحباني والشاعر هنا لا يخفي عن القارئ هاجسه عمن سيحل محلّ الفقيد مستقبلا في نضاله وانسانيته من خلال ابداعه الفني .
ب- التحليل:
استهل الشاعر مرثيته بفعل البكاء الذي يستجيب وخصائص الرثاء فيقول:
تبكيك حزنا بلاد
وقد غزاها رماد
لقد جعل الشاعر كل بلاد الفقيد لبنان التي غزاها الرماد من شدة الحرب التي شهدتها خاصة في الآونة الأخيرة تبكي حزنا عليه.
وباستخدام طباق لفظي (تبكيك/ الانشاد) يعكس مقابلة معنوية بين البكاء والانشاد
وبين البكاء والانشاد ماض وحاضر ومستقبل:
- ماض ينشد ابداعه الفني.
- حاضر ومستقبل يبكيان فقده
يقول:
بفقدك المرّ هذا
عنها نأى الانشاد
ويستأنف الشاعر استفهامه وكأني به ينعى مستقبل البلاد بعد رحيله وهو الذي روّض الجياد لتنقاد لمصلحة البلاد .
ان الشاعر يشيد وينعى:
- يشيد ماضيا : كان الفقيد رائدا في قيادة الفرسان (المبدعين..) الى صالح البلاد والذود عنها بفنه وابداعه.
- ينعى حاضرا و مستقبلا : لا أحد يحل محل الفقيد ليذود عن بلاده الفساد فيقول:
وأسقطت لفنون // هذبت فيها جياد
فمن لها سينقي// اذا أتاها فساد
انه ينفي عن غير زياد الرحباني مقاومة الفساد وبالتالي فالشاعر يحصر في الفقيد انقاذ بلاده من الفساد وهي خصلة جامعة للعديد من الخصال.
ثم ينبري الشاعر لتفصيل محاسنه التي ستفتقدها البلاد بغيابه وكأني بالشاعر يستنطق الفقيد ليقول :
يقول :لا لنشاز// أسماعنا يرتاد
ويبتني قصر آت// أيامه أعياد
سلامنا فيه حي// وتنتفي الأحقاد
نحبه ولنا في // أجوائه ما يراد
ومن سينبت حقلا// ما فيه ليس يباد؟
كأني بالشاعرهنا يرى ازدهارا للبلاد في حضور الفقيد وانحطاطا لها في غيابه.
وبين الحضور والغياب مفارقة الازدهار والانحطاط. فالشاعر يرى فيه المنقذ للبلاد وللعباد.
ويختم الشاعر بالاشادة بابداع الفقيد ليرى فيه الجديد بعد الاجهاد والانحطاط فيقول:
كم بعدك الفن ذاوٍ// أوجاعه تزداد
ولو تشوّه يوما// وناله الاجهاد
يقول:هل من جديد// للعون آت زياد؟
كأني بالشاعر جوزيف موسى ايليا يصنع من الفقيد زياد الرحباني أسطورة في خلاص بلاد غزاها الرماد .
ولعل القارئ هنا يستحضر طائر الفينيق الأسطوري الذي ينهض من رماد النيران لتتجدد قواه وتعاد دورة حياته من جديد وهو بذلك رمز للتحدي والتجدد والقوة.
والفقيد هو أسطورة خلاص البلاد التي غزاها الرماد.
وفي هذا الاطار ماذا يقول الشاعر جورج عازار في رثاء زياد الرحباني؟؟
2- الشاعر جورج عازار ورثاء زياد الرحباني:
أ- العنوان:" زياد وداعا "
اختار الشاعر جورج عازار عنوانا يركز فيه على توديع الفقيد وكأني به يريد أن يقنع نفسه قبل القارئ بأن زياد الرحباني قد مات باستخدام صيغة المفعول المطلق للتأكيد على الوداع. والشاعر لا يخفي عن القارئ وجعه بهذا الفقد.
ب- التحليل:
استهل الشاعر قصيدته باستخدام أسلوب انزياحي دلالي قائم على الكناية فكنّى على الفقيد بالشمس بما في الشمس من ضياء ووضوح واشعاع فيقول:
شمس ترحل عنّا
فكيف النهارات
في ليل العتمة تكون؟
وفي هذا الاطار لئن استهل الشاعر جوزيف موسى ايليا قصيدته بالبكاء استجابة لغرض الرثاء فان الشاعر جورج عازار استهل القصيدة بمدح الفقيد بذكر محاسنه .والبكاء وذكر خصال الميت هما في صلب غرض الرثاء.
ولتركيز خصال الميت قد عمد الشاعر جورج الى مقابلة معنوية بين الضياء والعتمة .وبين الضياء والعتمة تكمن اشادة ونعْيٌ:
- الاشادة بماض وحاضر يعتبر فيهما الفقيد شمْسا.
- نعْي المستقبل الذي تنقلب فيه الشمس الى عتمة والنهار إلي ليل.
وفي هذا السياق يتقاطع الشاعران في مدح خصال الفقيد.
ولئن ركز الشاعر جوزيف في رثائه على ما بعد الفقد فالشاعر جورج أشاد بما قبل الفقد من أعمال ابداعية أنجزها خاصة مع الفنانة العملاقة فيروز أمّه والتي تعاطف معها الشاعر بوصفها "المنكوبة".
وما فيروز الا رمز للأمة العربية وما قدّم لها من إبداع فنيّ ارتقى الى العالمية.
ولعل تلك الصورة المصاحبة لقصيدة جوزيف تعكس احتضان الامة العربية للفقيد في شخص أمّه.
والشاعر جورج عمد الى الاشادة بأعمال الفقيد لأن أعماله حقيقة لا ينكرها أحد.
انه الجانب الواقعي في الرثاء ليقنع المتلقي بمدى الخسارة التي ستجنيها الأمة العربية بفقدان رجل بهكذا عظمة وانسانية.
وهل أكثر من أن الشاعر يتقمص شخصية الفقيد ليتكلم باسمه بل ليبرر رحيله وكأني به يواسي نفسه ويبرّر للقارئ سبب رحيل الفقيد.
وكأني بالشاعر يقرّ بأن الموت ليست قضاء وقدرا بل هي اختيار فجعل الفقيد قد اختار الرحيل فيقول:
فلا شيء اليوم صار يفيد
وعندما شعرت
)في شيء عم بيصير(
أثرت الرحيل على عجل
فالمشاعر ما عادت
تحتمل العابا مثل:
)حبوا بعضون تركوا بعضون(
فالامور لا تستوي
لمن كان يصعب
في كل عصر
تغيير الولاءات
او ربما قالها لك البعض:
)عندي ثقة فيك(
فعرفت انهم يقولون ما لا يفعلون
وهل أكثر من أن الشاعر يسعى عن قناعة منه ليبعد عنه تهمة الكفر ليجعلها دفاعا عن الجائعين والمقهورين والمضطهدين فعمد الى تضمين عمله الفني بالقصيدة:
)أنا مش كافر
بس الجوع كافر(
ويختم الشاعر قصيدته وهو يسرّ الوجع فيقول:
ولكن هيهات أيها الراحل
"على من تقرأ مزاميرك يا داوود"
"الذين لهم أعين ولا يبصرون.
لهم آذان ولا يسمعون"
لقد كنّى عن الفقيد بالنبي داوود الذي عرف بمزاميره التي هي ترنيمات مقدسة
تستخدم في اخراج الشياطين.
وبالتالي فالشاعر لا يستوعب أن الفقيد يقرأ ترانيمه المقدسة على قوم أعمى وأصمّ
انه غريب في قومه الذين لم يفقهوا ترنيماته المقدسة.
وخلاصة القول فلئن ركز الشاعر جورج عازار على ما قبل الفقد لرثاء الفقيد فان الشاعر جوزيف موسى ايليا قد كان مسكونا بهاجس من قد يحل محله بعد فقده
وكأني بالشاعرين وهما يرثيان الفقيد يواسيان النفس العليلة بالفقد الجلل ولسان حالهما يردد ما قاله أبو فراس الحمداني في رثاء نفسه قبل موته:
مصابي جليل والعزاء جميل// وظني بأن الله سوف يديل.
وقد يستحضر القارئ ما قاله ابو العتاهية في رثاء نفسه قبل موته للاقناع بان الموت حق ولا مهرب منها (2):
رأيت المنايا قسّمت بين أنفس// ونفسي سيأتي بعدهنّ نصيبها.
كأني برهطي يحملون جنازتي//الى حفرة يحثى علي كثيبها.
أيا هادم اللذات ما منك مهرب//تحاذر نفسي منك ما سيصيبها .
واني لممّن يكره الموت والبلى// ويعجبني روح الحياة وطيبها .
سلم القلمان اللذان يُسرّان الوجع لفقد أسطورة في الابداع وفي الانسانية.
لروح الفقيد السلام والرحمة ولأمّه الصبر ولنا العبرة بعظمته وانسانيته.
بتاريخ 29/ 07/ 2025
المراجع:
https://mawdoo3.com>...(1)
تعريف الرثاء- موضوع
https://www.aldiwan.net>poem10...(2)
الديوان-أبو العتاهية.
maw
 





















 
 
 
 
.jpg) 
 
 
0 comments:
إرسال تعليق