الفنان علي باقر يكتب: تعصف في أذهان الفنانين - جدلية الصراع بين الكاتب والمخرج

 البحرين \علي باقر ـ   

جدلية في الهم المسرحي تعصف في أذهان أرباب الفكرة المتخيلة " المسرحية "  و امتدادها بصراعها و أسلوب الحوار فيها .. التأليف المسرحي .. ذلك الكاتب الذي أشعل لهب البداية من فكره فتخيل و رسم على أوراقه حوارات لهب الهم الإنساني متصاعدا في قسوة الصراع ببناء درامي محبك .. و لكن نجد هذا الجهد لاينال منه المؤلف إلا النزر اليسير.. فما أن تصل مؤلفه إلى يد مخرج متحمس إلى النص نفسه المؤمن بكل ما فيه حتى نتفاجىء ويتفاجىء هو أن العرض المسرحي ظهر لنا بعرض آخر .. فنسف التأليف و ضيع الفكرة و لعب بالحوارات و وضع و حذف دون رقيب ، وقد يضع اسم المؤلف على عرض يجهل الكاتب تماما كتابته و يتحسَّر على جهده و بعضهم يحيى اسم المؤلف إعلاميا تضليلا ، و قد يستعين بعضهم بالأفكار و الحوارات و الصراع فيه ملتزما و يحذف المؤلف ، بل وينصب نفسه على النصِّ معدا أو قد يخالف ذلك ويكتب نفسه مؤلفا و يضرب ضربته القاضية على جهد ليس له حق فيه .. هنا نراه أمات المؤلف و دفن جهده الثمين و أقصى خيال الكاتب .. تلك الجدلية تعلن عن موت المؤلف بخروج عرض لمخرج يرى نفسه أمام الجمهور و جها لوجه . حول هذه الجدلية كتب الفنان الأستاذ و الكاتب المسرحي عباس حايك من القطيف بالمملكة العربية السعودية سؤالا يظهر مدى التأسي و الحزن مستفتحا دردشة الفنانين من مؤلفين و مخرجين و ممثلين و نقاد و فنانين حول هذه الجدلية .. كان سؤاله : ما جدوى وجود الكاتب المسرحي إذا كان للمخرج الحق المطلق بتغيير وهدم النَّص المسرحي بالكامل وكتابة نص عرض جديد لا يمت للنص الأصلي بصلة؟
كان أول المحاورين على صفحته في الفيس بوك .. الفنان سلطان النوة من السعودية حيث أوضح أن هناك مستويات مختلفة من النصوص ودرجة وعي الكاتب من خلالها مختلفة .. نصوص تحتاج الى تنفيذ و نصوص تحتاج لرؤية متوافقة ونصوص تحتاج لرؤية مضادة ونصوص تحتاج إلى إعادة بناء في المقابل قال أنه يرفض فكرة هدم النَّص والتنصل من غايته وهدفه.
رد الكاتب عباس حايك أنا أتفق معك،  هناك كتاب مسرح يكتبون أدباً ولا يكتبون نصاً مسرحياً وهنا إشكالية الكاتب.. لكن يمكن معالجة هذه النصوص دون هدم. 
حول هذه الجدلية ذكرتُ أنا علي باقر أن هذا العمل تضيع فيه الحقوق و تتداخل فيه الاختصاصات ، لذا أتساءل متعجبا! .. كيف يعجب المخرج بنص مسرحي كتبه كاتب مسرحي وقد شدَّ و حفَّز خياله ثم ينتهك حقوق المؤلف ؟ هنا يكمن العجب!  .. فمن المعروف أن قراءة المخرج المسرحي المتخيل للحدث المسرحي ليست كقراءة أي شخص لايمت لخشبة المسرح بصلة .. فقراءته تتجاوز لذة الأسلوب و الحوار أدبيا إلى ماهو أبعد في التخيل .. فمثلا إذا كان النص ضعيفا من خلال مستوى الفكرة أو أسلوب الحوار أو تصاعد الحدث أو بناء النص فلا أتصور أنه يرغب في ذلك أصلا ! .. أما إذا وجد المخرج أن نص الكاتب ينعش شبقه الفني و فكره المتخيل  فيجب عليه أن يبرزه إخراجا عن طريق إضافاته لمشاهد إخراجية احترافية مدروسة .. و يجب ألا تتجاوز تلك المشاهد تعميق الحدث المكتوب في النص و تفسير لغة الحوار لتقريب الدلالة أو لرسم علاقة تأويلية من أجل تأويل معاصر لحدث حدث في الواقع القريب أو البعيد أو ليبعد عرضه المسرحي عن المباشرة ، حتى لايثير تحسسا يفتح له أبواب العقاب أو توقيف العرض مثلا ..  و هنا أجد من الضروري أن يربط النص كفكرة بصور مشهدية قريبة ليس لها تعارض مع فكرة المؤلف أو أسلوبه أو الحوار . و حتى يُعالج َهذه التأزم بين كاتب النص و المخرج ، كان عليهما أن يعلنا  الشراكة بينهما فعلا و عملا .. فإذا كان المؤلف حياً و يجب أن يكون التواصل بينهما بأن يرسل للمؤلف تصويرا للمشاهد  في كل فترة إذا كان في بلد آخر حتى يكون تعامل المخرج بأمانة وصدق حسب عهد شرف للشراكة بينهما و حتى مع طاقم العمل ، أما إذا كان المؤلف من بلده فيجب عليه أن يحضر إلى مشغل التدريبات ليرى نصه المسرحي  كيف يظهر إلى النور شيئا فشيئا . و لكن يجب على المؤلف أيضا أن يحافظ على شخصية لفريقه التمثيلي و طاقم العمل ، كما يجب أن تكون النقاشات بينهما في طرح أفكاره من خلال رؤيته لعرض التدريبات  من أجل العصف الذهني و تقارب الأفكار و تحفيز المخيلة .. أما إذا كانت النقاشات جدلية وتحتاج إلى وقت للإقناع فيجب أن ينفردا معا في جلسات مغلقة بعيدا عن طاقم العمل للحفاظ على روح القيادة  للمخرج .
ولذا أجد أن هدم المخرج للنص و الاتيان بنص جديد فهو يعدُّ تجنيا على حق ليس له فلايجوز ذلك . كان يجب عليه كمخرج إذا قرأ نصا مسرحيا لايتناسب مع أفكاره و رؤيته بمعنى آخر غير معجب بالنَّص و به عيوب يجب أن يتركه ويبحث عن نص آخر يشفي غليله .. أو يكتب نصا جديدا باسمه .. فأنا لا أتصور أن المخرج يقبل بالعبث في نصه لو ألَّف نصا مسرحيا و يبتهج من مخرج نسف جهده و خياله.
و كان جواب الفنان الكاتب الحايك حول هذا الطرح أنه جميل جداً.. معلناً هذا رأيه و أضاف قائلا ما الضير أن يكون هناك اجتماع تفاهم وعصف ذهني للوصول لنقاط التقاء بين المخرج والمؤلف.. فالمهم كيف يكون العرض مبدعاً فنجاحه نجاحا للمخرج والمؤلف وطاقم العمل.
 أما المخرج الفنان المصري صبحي يوسف ذكر عن هذه الجدلية قائلا : شتان بين رؤية المخرج وهدم النص .. إن النَّص أمانة بيد المخرج فإذا كانت له رؤى فهى أما أن تكون منبثقة من النص أو متسقة معه . قد يصنع من نص المؤلف شيئا يزيده جمالا . أما الهدم الذي ذكرته فليس من حقه . فإذا كان يهدم لماذا يذهب الى هذا النص ليهدمه ؟! فليبني هو مايشاء بعيدا عن نص المؤلف من البداية.
و علق الفنان الكاتب الحايك حول طرح معقبا: هذا هو الوعي استاذي الفنان صبحي يوسف إنَّ المخرج الواعي هو الذي يتعامل مع النص بهذا المزاج،  يحترم النص، وكاتبه ويعمل ضمن المتاح الذي يخدم رؤيته دون المساس بهوية النَّص ومضمونه ومقولته. أنا أتحدث هنا عن أولئك  الذين يؤمنون بأن المخرج له الحرية المطلقة بفعل ما، يشاء بالنص.
أما الفنان العماني طالب محمد البلوشي فقد دعا الكاتب عباس الحايك بتسجيل نصوصه في دوائر الملكية الفكرية وضع ملاحظة حول مطالبه للمخرجين ومنها : الاستئذان وعدم الهدم ومعرفة المراد قبل البدء والعرض.
و علّق الكاتب السعودي الحايك نحتاج إلى قانون كنت آمل من الهيئة العربية للمسرح أن تتبنى مبادرة تحمي حقوق الكاتب المسرحي وتتبنى تنظيم جمعية أو تجمع لكتاب المسرح.. وتكون جهة لتسجيل النصوص المسرحية.
 
و تساءل الفنان المسرحي العماني البلوشي .. ألا يوجد في بلدك السعودية دائرة للملكية الفكرية للآداب لتسجيل المصنفات الأدبية ؟!
وكان رد الكاتب السعودي الحايك له : هناك تسجيل و فسح للنصوص للتنفيذ أو الطباعة.. لا يوجد آلية تسجيل.. وحتى في هذه الحالة لن يفسحوا نصي المسرحي " حنين " لانه نص نسائي لأن الفسح للعرض.
أما الأستاذ عبدالعزيز الماهر من السعودية كان الأكثر استغرابا .. يتساءل .. لماذا لا تشكل جمعية حقوق الكتاب بجميع الدول  لترتاح أنفسكم حلا هذه الإشكالية من جذورها و لتربطهم بحقوق لا يمكن لأي مخرج تعديلها أو التلاعب أو الهدم إلا برجوع إلى الكاتب المسرحب لأخذ موافقته حول تعديل أو حذف حتى يحفظ حق المؤلف.
 فجاء رد الكاتب عباس حايك 
هناك محاولات . ولكن نبحث عن غطاء رسمي عربي.
الفنان المخرج هاشم العلوي من مملكة البحرين يدلو بدلوه كمخرج حول هذه الإشكالية في عبارات بسيطة قد تحمل الكثير في طياتها فقال : في هذه الجدلية يموت المؤلف و أدرف موضحا أن النَّص المسرحي منتج أدبي..  أما العرض فهو منتج فني . هذه الكلمات رد عليها الكاتب الحايك قائلا : لا تنطبق في المسرح هذه النظرية .. هذه النظرية تلقى دائما عن " رولان بارت " لكن النَّص المسرحي نصٌ تنفيذي له سمة أدبية .. يجب أن تعرف أن كثيرا من النصوص فيها مفاتيح إخراجية.. فلا يوجد عرف في أمريكا ولا أوربا يعطي أحقية مطلقة للمخرج المسرحي يفعل ما يشاء في النصوص المسرحية !
و قد أيَّد الفنان الكاتب المسرحي أحمد إسماعيل المولود في القامشلي بمحافظة الحسكة بسوريا المتواجد حاليا في ألمانيا الفنان الحائك في رده بعبارات تحمل نفس الاستياء قائلا : ما أن سمعوا بموت مؤلف تلك الكلمة المترهلة حتى سارعوا إلى قتل كل مؤلف على المسرح.
أما فنان مدينة صلالة العمانية فقد هدأ من حمم هذه الإشكالية موضحا و مختصرا فقال مختتما النقاشات المحتدمة : أنَّ 
هذه المشكلة ناردة الحدوث .. نعم .. فالمخرج الجيد هو من يأخذ بالنَّص وفكرته وقضيته إلى مرحلة العرض الخلاقة.. أما غير ذلك .. فهناك مخرجين لا يفقهون ولن يفقهوا النص لذا تجدهم يستخدمون أدوات وصلاحية المخرج في حرب مع الكاتب وليس النَّص وصولا لطاقمه بل من الممكن أن تجد مخرجا يخلق مشكله لنفسه ليظهرها إعلاميا.. وهذا مرض نفسي يحتاج إلى دراسات قبل أن تكون هناك قوانين .. فالفن و أبجدياته واضحة المعالم لأهله وناسه

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق