حلوة كتير وكذّابة: السينما اللبنانية تجتاز امتحان الكوميديا


جريدة الجمهورية
 
في حضور إعلامي وفنّي حاشد، إفتُتح أمس الأوّل العرض الأوّل للفيلم اللبناني «حلوة كتير وكذّابة» في صالة «سينيمول» في ضبيه، بحضور بطلَيْ العمل زياد برجي وداليدا خليل، المنتج مروان حداد، الكاتبة كارين رزق الله والمخرج سيف شيخ نجيب الذين تحدّثوا إلى «الجمهورية» عن «مولودهم السينمائي» الجديد.
 
«حلوة كتير وكذّابة» في الصالات اللبنانية
 
الكوميديا لعبة خطيرة وهي أكثر تطلبّاً في نواح مختلفة من الدراما. هذا ما يُجمع عليه النقّاد والعاملون في الصناعة الدرامية والسينمائية على الساحة العربية. وربما يسهل على الكاتب، اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، إستثارة عواطف اللبنانيين والعرب الذي يعيشون أحلك الظروف الأمنية والسياسية، فيما قد تبدو مهمّة إضحاكهم من القلب أشبه بمهمّة "جايمس بوندية" مستحيلة.

وهذا ما نجحت تحديداً الممثلة والكاتبة كارين رزق الله في تحقيقه سينمائياً، في ثاني تجاربها الكتابية بعد فيلم "مدام بومبينو".كارين ترى في حديثها إلى "الجمهورية" أن "السيناريو يجب أن يكون نابعاً من حياة المواطن العادية ومتصالحاً مع المصطلحات الشعبية التي تُكسب النص أبعاداً واقعيةً وقدرةً إقناعية تؤهّله لحصد النجاح الجماهيري".

لم تقف كارين عند التصريحات على الورق وحسب بل طبّقت فعلاً ما تؤمن به، فجاءت حوارات الشخصيّات متطابقةً مع هذه المدرسة الكتابية الواقعية، وأرست أسساً لنجاح أكيد يحققه فيلم "حلوة كتير وكذّابة" بعدما سبقه إليه مسلسل "حلوة وكذّابة" الذي استُمِد منه وعرضته "ام تي في" اللبنانية.

المنتج مروان حداد يؤكّد لـ "الجمهورية" أن شركة "مروى غروب" منتجة العمل سخّرت له كل الإمكانيّات اللازمة لتتوفّر فيه عوامل النجاح. يرفض حداد الدخول في لعبة الأرقام وتحديد كلفة العمل الإنتاجية لكنه يعترف أنها "باهظة وفاقت ما كان متوقّعاً".

بثقة يشدد على أهمية الصناعة السينمائية اللبنانية ويأمل في "استيراد جمهور التلفزيون إلى السينما"، غامزاً إلى "مشروعات تحويل مزيد من مسلسلاته الناجحة إلى أفلام طويلة، أسوةً بما فعل منذ سنوات مع "غنّوجة بيّا".

المنتج الأكثر حضوراً على الساحة الإنتاجية المحليّة، يطلق في شهر تمّوز المقبل قناةً خاصة به على الشبكة العنكبوتية بعنوان "مروى غروب تي في" ستكون بمثابة محطة إعلامية عبر الإنترنت تشكّل منصّةً لعرض أبرز إنتاجات الشركة من أعمال تلفزيونية وسينمائية بالإضافة إلى توفير آخر أخبار الممثلين والكتّاب والمخرجين الذين تعاونوا مع "مروى غروب".

"الصيغة الإخراجية تختلف تماماً بين التلفزيون والسينما، لكننا سعينا الى المحافظة على عوامل البساطة التي جعلت المسلسل ناجحاً وقدّمناها بلغة سينمائية جديدة".

هذا ما يقوله المخرج سيف شيخ نجيب لـ "الجمهورية"، مؤكداً أنه لا ينتمي إلى المدرسة التي تسعى إلى "عرض العضلات" الإخراجية وإنما يميل إلى "العمل على روحية الممثلين وحركتهم أمام الكاميرا، وعلى تكريس قدرة العمل على الإقناع من خلال حسن اختيار أماكن تصويره واختيار اللقطات المناسبة لأداء الممثلين فيه". بالنسبة إليه "الوطن العربي كله في حاجة إلى خبرة سينمائية أكبر، ولكنّ وجود هذا الكمّ الهائل من الصحافيين اليوم ما هو إلّا دليل عافية للسينما اللبنانية التي نتمنّى لها كل الازدهار".

أما "الحلوة كتير والكذّابة" الممثلة الموهوبة جداً داليدا خليل فأثبت أنها صاحبة الكاريزما القويّة سواء على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة، ولديها مخزون من المواهب التي تنتظر تفجيرها سريعاً!

داليدا أطلّت بكامل أنوثتها وكامل عفويتها في دورٍ مقنعٍ جاء استتباعاً لنجاحها في المسلسل التلفزيوني الذي حصدت منه ثناء كثيرين. لم تفاجئنا بقدرتها على حمل مسؤولية بطولة سينمائية نسائية ولكنها أبهرتنا بقدرات صوتية إستثنائية في الديو الغنائي الذي جمعها بالنجم زياد برجي في نهاية الفيلم وجاء بعنوان "قلبي معِك مرتاح" وهو من كلمات أحمد ماضي ألحان زياد برجي توزيع ناصر الأسعد وإنتاج "مروى غروب" التي أنتجت أيضاً باقي أغنيات الفيلم.

الإنسجام الكبير بين البطلين زياد وداليدا في المسلسل انسحب أيضاً على الفيلم وسرّه بحسب ما تقول الممثلة الحسناء لـ "الجمهورية"، "إنّنا من الطينة نفسها وبالطباع العفوية نفسها. وفي الحياة العادية لا نكذب أبداً على بعضنا وذلك بعكس حالتنا في التمثيل".

بدوره أعرب زياد برجي لـ "الجمهورية" عن "سعادته بهذا المنتَج السينمائي"، معبّراً عن "ثقته بنجاحه أسوةً بالنجاح الذي حققه المسلسل، وعن إعجابه بموهبة وصوت داليدا التي شاركته الديو".

وزياد برجي لم تنقصه قدرة على الاقناع، فزياد الممثل كاد للحظات ينسينا زياد المطرب والملحّن لولا أغنيات الفيلم التي جاءت في مكانها وموظّفة بطريقة منسجمة مع السياق الدرامي.

وقد أغدق عليها زياد من إحساسه العالي، فتأثّرنا عندما قست عليه الحبيبة في الفليم وغنّى "يا غالي عليّ حبيبي شو صرلك تعلّمت القسيّة" من الأغنية التي لحّنها للنجمة نانسي عجرم، وابتسمنا عندما أراد أن ينتقم من داليدا في أحد المشاهد فغنّى لها "اطلعي لبرّا"، وانسجمنا وتعاطفنا مع قلبه المجروح عندما شدا برائعته اللحنية والغنائية التي تفيض إحساساً وشجناً "أنا مش مجنون".

والحقيقة أن "حلوة كتير... وكذّابة" فيلم سينمائي لبناني لا تنقصه أيّ من مكوّنات النجاح. أمس الأوّل خطف منّا ضحكات عفوية لم نستطع أن نمنعها من الانفجار.

جلس الى جانبي أحد الزملاء الذي خانته دمعة ذرفها من شدّة الضحك. الأمر ليس بالسهولة التي يبدو عليها. بعض الإنتاجات الهوليووديّة الضخمة التي تصنّف نفسها على أنها كوميدية لا تقوى حتى على جعلنا نبتسم. أما أن يأتي فيلم لبناني يجعلنا نضحك إلى هذا الحد، فإنّ في الامر إنجازاً لا يمكن لأحد إنكاره.

وهنا كان لسيناريو كارين رزق الله البطولة المطلقة في تقديم طبخة كوميدية ناجحة تكاملت عناصرها مع أداء الممثّلين الممتاز، حيث تألّق بالإضافة إلى البطلين داليدا خليل وزياد برجي، غالبية الممثلين المخضرمين الكبار من أمثال مارسيل مارينا وجورج دياب اللذين أثريا المسلسل، ومن بعده الفيلم بحضورهما، إلى الجيل الشاب مثل جان دكّاش الذي كان لافتاً في أدائه الممتاز للمشاهد الكوميدية، وجيسي عبدو نجمة "بسمات وطن" العفوية، ورانيا عيسى الأخت العاقلة والمساندة وسواهم، فيما جاءت مشاركة الممثل الكوميدي البارع كريستيان الزغبي في الفيلم بمثابة حبّة الكرز التي كانت تنقص قالب الضحك الكبير. ويستحق أداء الممثلة الشابّة ناديا شربل ابنة كارين وفادي شربل التوقف عنده، لما تتمتّع به هذه الموهبة اليافعة من قدرة لافتة على الإقناع وحِرفية عالية في الأداء.

إذاً، الأداء التمثيلي كان على المستوى المطلوب وكاميرا المخرج سيف شيخ نجيب لم تنقصها رشاقة لقطف اللقطات المناسبة في اللحظات الكوميدية الحاسمة. وقد كانت لافتة في بعض المشاهد، لا سيّما في المشاهد القريبة من الوجه أو الـ CLOSE التي جعلت منها شريكة في صناعة الضحكة.

لكنّ مشاهد غناء زياد منفرداً، وضعتها في موقف حرج أمام ممثل واحد ولفترة طويلة نسبياً، فكان ينقصها الإبتكار أكثر حيث لم تشفع لها الإيفيهات الخاصة بالتمكّن تماماً من المشهد.

مَن يبحث عن فيلم لا تشوبه شائبة من حيث القيمة الفنية والأبعاد الفلسفية لن يخرج راضياً بالتأكيد. الفيلم من نوع الكوميديا الخفيفة ويشكّل موعداً مع ساعة ونصف الساعة تقريباً من المواقف المسلّية التي لا تخلو من الرومانسية والتشويق، ومن الضحك الأكيد.

وهو إنتاج سينمائي يستحق بجدارة مشاهدة الجمهور اللبناني الذي أكّدت شريحة كبيرة منه ومتنوّعة من حيث الفئات العمرية والاجتماعية على تعلّقها الكبير بالمسلسل الذي سبق "حلوة كتير وكذّابة". كثيرون انتظروا الفيلم وصفحات المواقع الاجتماعي خير دليل على كثرة المتلهفين لاستتباع أحداث المسلسل المشوّقة. هؤلاء لن يخيب ظنّهم بالتأكيد!

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق