فقدت الحياة الفنية والوسط الثقافي والشعبي في العراق الاستاذ عادل الهاشمي ، شيخ النقاد الموسيقيين العراقيين ، الذي رحل على حين غرة في القاهرة قبيل حضوره مهرجان الموسيقى العربية، اثر نوبة قلبية حادة داهمته في غرفته الخاصة بفندق "ام كلثوم" .
يعد عادل الهاشمي من القامات الابداعية الشامخة والاعلام النقدية البارزة في الحقل الموسيقي ، وقد شكل مرجعاً هاماً للباحثين والمشتغلين في قضايا وشؤون الموسيقى العربية لما امتلكه من دراية ومعرفة ووعي فني وثقافة موسوعية وتجربة غنية وثرية في هذا المجال ، تاركاً بصمات واضحة على الثقافة النقدية الموسيقية العراقية والعربية والانسانية الحديثة .
ورغم جحافل الاحتلال والبؤس والهزيمة التي تتربص بالذات العربية ظل ايمان عادل الهاشمي بالحياة يتعاظم ، وغاب عن الدنيا مخلفاً كل هذا الصدق والوضوح والتحدي والعطاء الثر والاسئلة التي تغرس نصالها المستفزة في الخاصرة العربية المكلومة .
عادل الهاشمي ناقد موسوعي بارع، ومتذوق وقّاد للموسيقى والاغنية ، اتصف بالصراحة والجرأة والعلمية والجهر برأيه الموسيقي ، ولعب دوراً فاعلاً في تنمية وترقية الذوق الموسيقي والفني في الذائقة الشعبية العراقية والعربية . اشتغل مدرساً للموسيقى في معهد الدراسات الموسيقية والنغمية وكلية الفنون الجميلة في العاصمة العراقية - بغداد، وكان عضواً في لجنة فحص الاصوات الغنائية ، وعمل محرراً ومشرفاً على الصفحات الفنية في عدد من الصحف والمجلات العراقية ، منها "الثورة" و"الجمهورية" و"الف باء" ، واشتهر بعموده الاسبوعي "المرفأ الموسيقي" في صحيفة الجمهورية البغدادية .
رأى الهاشمي ان الاغنية العراقية في المرحلة الراهنة والحاضرة اصبحت فائضاً اعتراضياً للحياة العراقية، وان الغناء العراقي تأثر بالمناخ الذي كان سائداً قبل الاحتلال ،وهو غناء تشظي، غناء مثلوم وناقص ، وغناء ترك مرتكزاته التاريخية والاساسية في حفظ الذات العراقية ، وهذا الغناء اصبح غناءً غرائزياً بعيداً عن التعبيرية والجمالية والوصفية ، التي تميز بها الغناء العراقي في مراحله السابقة ، وسقط في بئر التكرار وبئر العدمية . وحرص الهاشمي على اساسيات الموسيقى وفنونها ووظائفها الجمالية الراقية الاصيلة ، ونادى بالحفاظ على التراث الغنائي العراقي الجميل ، واستعادة المجد والوهج للاغنية العراقية .
اثرى عادل الهاشمي المكتبة الغنائية والموسيقية العراقية والعربية باعمال ودراسات رائدة وهامة ، ابرزها : الموسيقى العربية في الف عام، الموسيقى والغناء في عصر الاسلام وحتى احتلال بغداد ، العود العربي بين التقليد والتقنية ، فن التلاوة اصوات وانغام ، اصوات والحان كردية وسواها .وهذه الاعمال والمؤلفات التي وضعها وخلفها وراءه هي كنز من كنوز الثقافة الموسيقية العراقية والعربية ، وارثه الموسيقي هو ذخر للعراق والوطن العربي ، محفوظاً في الذاكرة الجماعية للشعب العراقي ، وسوف يحافظ هذا الشعب ومثقفيه ومبدعيه على هذا التراث حفاظه على ذكرى وتراث المتميزين والمتفردين والرواد الخالدين من ابنائه البررة ، الذين برعوا في مجالاتهم المختلفة . فالوداع يا نخلة ودوحة العراق الباسقة، ويا فقيد النقد الموسيقي العراقي ، والرحمة على روحك التي عانقت باريها واحتضنها التراب العراقي الغالي .
0 comments:
إرسال تعليق