قراءة في فيلم ليكو


كتب جورج عازار ـ

بالنظر إلى الإمكانات القليلة المتاحة، قدم طاقم العمل في فيلم ليكو فيلماً جميلاً من حيث القصة والأداء، والتمثيل، والإخراج، والتصوير. فالفيلم يطرح جملة مقولات تدور في عنوانها الرئيسي حول المشكلات الصعبة التي يمر بها المهاجر من أجل الوصول إلى فردوس الاغتراب، والتي تصل في كثيرٍ من الأحيان الى ما يشبه مقولة المثل المؤلم "موت وخراب ديار" وهذه بالتأكيد ليست مبالغة في أي حال من الأحوال، ولنا عبرة فيما يحصل بما يسمى بمراكب الموت وغرقها، وهي تحمل المئات من المهاجرين الذين دفعوا كل ما يملكون من أموال سواء من بيع ممتلكاتهم الخاصة أو عن طريق الاستدانة ليتم إعطاء هذه الأموال إلى صاحب مركبٍ يدفعه طمعه إلى تعبئة المركب بأضعاف حمولته من البضائع الأدمية، ليغرق هو ومن حملهم في عرض البحر وحتى إذا ما استطاع المركب الوصول إلى الفردوس الموعود فإن المشكلات تبدأ ولا تنتهي.

وبالعودة إلى فيلم ليكو والذي يعرض لنا كيف قضت هذه الأسرة زمناً طويلاً، وهي تعبر من بلدٍ إلى آخر في طريق السفر والهجرة عن طريق البر ومعاناة الويلات القاسية حتى الوصول إلى ألمانيا، ومن هناك يستلزم الأمر مجدداً تدخل تجار تهريب البضائع البشرية، وإدخال هذه الاسرة إلى السويد، بوثائق سفر مزيّفة، وهنا يعرض لنا الفيلم ظاهرة أخرى خطيرة وهي تحكم العصابات في طرق تهريب البشر وفنونه، حيث يشاء الحظ العاثر أن تقع الاسرة موضوع الفيلم ضحية لذلك الصراع بين عدة جهات تهريبٍ، تتنافس حتى الموت للفوز بحقوق تهريب المهاجرين من بلدٍ إلى آخر.

وتتشابك الأحداث وتتعقد لتصل إلى نهايةٍ مأساويةٍ لا مجال للخوض في تفاصيلها، حتى نترك المجال لمن يرغب في مشاهدة الفيلم وكي لا نحرق تسلسل أحداثه.

وعلى العموم فإن فيلم ليكو يطرح جانبين مهمين هما مشكلة الهجرة، ومشكلة عصابات التهريب البشري، وبين هذه وتلك تدور قصة الفيلم الذي أخذ الأستاذ الياس عنتر على عاتقه عدة مهامً أنجزها بمفرده، وهي مهام التأليف والإخراج والتصوير، وشارك بالطبع في التمثيل بدورٍ رئيسيٍ إلى جانب الدور الرئيسي الآخر والذي فاجأنا بتقديمه المطرب الجميل وصاحب الصوت البديع الفنان نينيب عبد الأحد والذي قدم دور البطولة الأساسية إلى جانب الأستاذ ألياس عنتر، ويحسب للمطرب الجميل الأستاذ نينيب عبد الأحد توفقه ونجاحه في إعطاء الدور وإلى حدٍ كبيرٍ ذلك الزخم من أجل اقناع المشاهد بصفات الشخصية، رغم أنه وكما أعتقد ما لم أكن مخطئاً، هو دوره الأول وربما الوحيد حتى الآن، وبطبيعة الحال بديهي أن تفلت من الممثل أو المخرج بعض الهفوات وأن تغيب عنه بعض الثغرات التي أحاطت في هذه الجوانب أو تلك، فالفيلم رغم كل جمالياته ليس فيلماً هوليودياً احترافياً، وهو لا يتحصل على الإمكانيات التقنية العالية المستوى والتي تستلزم استثماراً مالياً كبيراً، للخروج بفيلمٍ عالي النوعية وغنياً بالإمكانات التكنولوجية والمتطورة في كل جوانب الفيلم من اخراج وتمثيل وتصوير. 

وبالنظر إلى أنني أيضاً من المهتمين بالتمثيل والإخراج، وقد سبق لي عدة مشاركات منذ زمنٍ غابرٍ في إخراج وتمثيل بعض الأدوار على خشبة المسرح الجامعي خلال دراساتي الجامعية، وأستطيع أن أزعم بأن الفيلم قد أدَّى دوره وضمن الحدود المتاحة في التعريف بالكوارث المُحزنة التي تواكب المهاجر وهو في "درب الالام " وحتى الوصول إلى "فردوس الاغتراب الموعود"

ختاما لا نملك غير أن نشدَّ على أيدي كل من شارك في هذا الفيلم، وأخص بالذكر أصحاب الأدوار الصغيرة الذين قدموا أكثر من المطلوب منهم رغم أنها المرة الأولى لهم وبالطبع لن ننس دور وأداء المطرب البديع والشخصية الرئيسة بالفيلم نينيب عبد الأحد.

وأختم بتحية الجهود الكبيرة والمخلصة للأستاذ ألياس عنتر وعطاؤه الكبير تأليفاً وإخراجاً وتصويراً وتمثيلاً، وفقكم الله جميعاً وأنا على ثقة بأن القادم من الأعمال المستقبلية سيحمل الجديد والممتع وسيعمل على تلافي كل الثغرات والهفوات التي رافقت العمل، والتي هي بحد ذاتها أمور طبيعية تصاحب كل عمل جديد. وكما أوجه أمنياتي لأصحاب الأقلام بعدم جلد هذا العمل بسوط النقد القاسي وغير الموضوعي، والذي لا يأخذ بعين الاعتبار تلك الظروف المصاحبة للعمل من قلة الإمكانات المالية والتكنولوجية والمعرفية للعمل الاحترافي العالي الإمكانات، فنحن لا نتحدث كما سبق وأشرت عن إمكاناتٍ هوليودية، ولنترك كلمة طيبة وكلمة شكر، بحق من تعب واجتهد، وقدم كل ما يستطيع من إمكانات، ولنشد على أيديهم ونقول برافو طاقم عمل ليكو وإلى المزيد من الإبداع والجمال والأفلام ووفقكم الله جميعاً.

CONVERSATION

1 comments:

  1. مشكور أخ جورج عازار على هذا التحليل الجميل, ولك مني ومن طاقم العمل كل الحب والتقدير.

    ردحذف