اختيار وإعداد عادل محمد
21 نوفمبر 2019
تعلقت بالفنانة الكبيرة فيروز وحبّيت أغانيها الرائعة منذ الخمسينيات القرن الماضي وكنت أسمع أغانيها بصحبة الأهل أو الأصدقاء، وعندما كنت وحيداً في غرفتي كانت فيروز حاضرة في أفراحي وأحزاني إلى منتصف الليل وقبل ذهابي إلى النوم.
ومن الذكريات الجميلة التي تبقى في ذاكرتي للأبد، بعد أشهر من عقد قراني على حبيبتي ورفيقة دربي، بعثتني الشركة في يناير 1970 إلى أبو ظبي في دولة الإمارات لأحل محل موظف أجنبي في فترة إجازته في بلده.
في أبو ظبي قابلت صديقي الايراني الذي غادر البحرين في الستينيات وأقام في دولة الإمارات.
وبواسطة صديقي الذي كان مسؤول مبيعات معرض السيارات في شركة خاصة، تعرفت على القنصل الايراني في دولة إمارات.
لقد كنا نجتمع في سهرات بعض الليالي في منزل صديقي ونستمتع بسماع أغاني الفنانة القديرة فيروز حتى منتصف الليل.
قدّمت الفنانة اللبنانية المعروفة فيروز مع زوجها الراحل عاصي الرحباني وأخيه منصور الرحباني، المعروفين بالأخوين رحباني، العديد من الأغاني والأوبريهات، وبدأت الغناء وهي في عمر الخامسة، ولاقت رواجاً واسعاً في العالم العربي والشرق الأوسط والعديد من دول العالم. وهي من أقدم فنّاني العالم المستمرين إلى حد اليوم، ومن أفضل الأصوات العربية وأعظم مطربي العالم. وقد نالت جوائز وأوسمة عالمية عديدة.
فيروز هي الاسطوره الصوت التي لا تتكرر كل اغانيها لها جمالها و عالمها الخاص
لطالما ارتبط صوت جارة القمر "فيروز" بالصباح، بينما يفضل البعض الاستمتاع بأغاني كوكب الشرق أم كلثوم في المساء، فما سبب هذا التقسيم الزمني لصوت الأسطورتين؟
فيروز ..صوت الأمل
عنها قال محمود درويش :" "فيروز هي الأغنية التي تنسى دائماً أن تكبر،هي التي تجعل الصحراء أصغر وتجعل القمر أكبر" وذلك في إشارة إلى صوتها لبمليء بالأمل والفرح وهو ما يناسب الصباح المشرق، ومن أبرز ما دفع الناس لتصنيف صوت فيروز كصوت صباحي هدؤه ووتيرته غير القوية.
كما أن طبيعة الموضوعات التي تتحدث عنها أغاني فيروز تحتم عليها أن تكون أغاني صباحية، فهي تبعث على النشاط والتفاؤل في نفس المستمع، وأبرز هذه الأغاني: أغنية " نسم علينا الهوى "، و" دخلك يا طير الوروار".
كما لعبت الإيقاعات الموسيقية في العديد من أغانيها كأغنية "عودك رنان" دوراً كبيراً بهذا التصنيف.
ولا يمكن إهمال دور المدة الزمنية لأغاني فيروز بجعلها أغانٍ صباحية ، وهو طول مناسب لتناول القهوة الصباحية، قبل الانشغال بأمور الحياة.
فيروز تشدو في سماء أمستردام..وتأسر قلوب الأوروبيين أيضا!
بعد غياب طويل عن المسرح أتت نجمة الغناء العربي فيروز لتحيي حفلاً غنائياً في العاصمة الهولندية ضمن مهرجان هولندا للفنون، آسرة بهذا قلوب الآلاف من معجبيها من العرب والأوروبيين. دويتشه فيله تنقل أجواء هذا الحفل الاستثنائي.
إطلالة فيروز وترانيمها جيشت المشاعر والأحاسيس
من جميع أنحاء العالم جاء محبو موسيقى فيروز، ليمتلئ مسرح كاريه الملكي في قلب العاصمة الهولندية أمستردام حتى آخر كرسي. الحضور الذي أتى ليس فقط من هولندا، بل من دول أوروبية مجاورة، وحتى من الدول العربية مثل الأردن والإمارات وفلسطين، جاء ليستمع إلى صوت أشهر مطربة في العالم العربي، آخذاً على عاتقه أسعاراً باهظة لبطاقات الدخول، قيل إنها قد وصلت في السوق السوداء إلى 950 يورو. كما أن الطابور الطويل الذي امتد أمام المسرح على ضفاف نهر الأمستل لم يثبط من عزيمة المنتظرين، الذين تحّملوا كل هذا العناء ليروا ويسمعوا صوت المغنية اللبنانية، التي يطلق عليها البعض لقب "سفيرتنا إلى النجوم".
إقبال منقطع النظير وصبر في الطابور الطويل من أجل الإستمتاع بسماع فيروز
ولكن عناء الانتظار سرعان ما بدده الحماس الجارف لدى الجمهور، عندما ظهرت فيروز بوقارها المعروف وحضورها المذهِل على خشبة المسرح وافتتحت الحفل بأغنية "سلملي عليه" من ألبوم "مش كاين هيك تكون". أكثر من 1700 شخص وقفوا في المسرح العريق، الذي تأسس عام 1887، وصفقوا بحرارة لفيروز، البالغة من العمر 75 عاماً، والتي بالرغم من سنها المتقدمة لم تفقد شيئاً من رونق صوتها الملائكي المعهود وقوة أدائها على المسرح.
جمهور منضبط واهتمام إعلامي
ورغم تحمس الجمهور وتصفيقه أثناء أداء الأغاني، إلا أنه كان في غاية الانضباط. إذ أنه عندما كانت الفنانة تبدأ أو تواصل الغناء بعد فاصل موسيقي، كان الجمهور يتوقف مباشرة عن التصفيق لينصت لكل مقطع غناء تغنيه فيروز. ولم يكن المعجبون العرب هم الذين بُهروا بفيروز وحسب، بل أن مقاعد المسرح اكتظت أيضاً بمستمعين هولنديين وآخرين من دول أوروبية مجاورة، جاءوا هم أيضاً ليحضروا حفل فيروز.
الجمهور تفاعل مع أغاني فيروز بحماس كبير
الاهتمام الإعلامي بهذه السابقة في تاريخ هولندا الثقافي جاء أيضاً كبيراً. عدسات الكاميرا والمايكروفونات انتشرت في كل مكان أمام مدخل المسرح لتلتقط صور وآراء الحضور قبل الحفل وبعده. حتى أن جريدة "فولكسكرانت" الهولندية، وهي واسعة الانتشار، افتتحت طبعتها الصادرة يوم الاثنين (27.06) أي بعد يوم من حفل فيروز في أمستردام، بمقال عن الحفل على صفحتها الأولى، واصفة فيروز بـ "أسطورة الغناء العربي". ورغم كل هذا الاهتمام الإعلامي فقد مُنع التصوير والتسجيل للحاضرين والصحفيين على حد سواء أثناء الحفل. وقد سبب هذا تشكل طابور تفتيش طويل أمام المدخل، للتأكد من عدم اصطحاب الكاميرات والهواتف النقالة وآلات التسجيل إلى داخل المسرح.
أغان جديدة وأخرى معروفة
فيروز ركزت في الحفل على أغانيها الجديدة التي صدرت العام الماضي في ألبوم "إيه في أمل"، ولكنها غنت أيضاً أغان أخرى من ألبومات صدرت لها بالتعاون مع ابنها الملحن زياد الرحباني. غير أن قائمة الأغاني لم تخلُ أيضاً من أغانٍ معروفة ومحبوبة لدى الجمهور، مثل "عودك رنان" و "كيفك إنت". الحضور الموسيقي لزياد الرحباني في حفل أمستردام تمثل أيضاً في فقرات موسيقية من تأليفه وتلحينه تخللت الحفل. بعض هذه الفقرات اصطحبتها الجوقة المرافقة بالغناء. ولكن رغم الأداء الفني العالي للجوقة، إلا أنها ظلت خافتة الصوت بعض الشيء، ونظراً لذلك لم تتضح كلمات الأغاني التي غنتها الجوقة بمفردها. غير أن الأوركسترا المؤلفة من 40 موسيقاراً أدت أداءًا ممتازاً يرقى إلى أداء أحسن فرق الأوركسترا الكلاسيكية العالمية.
وبشكل عام فإن المشاكل التقنية البسيطة مثل صوت الجوقة غير الواضح لم تعكر أجواء البهجة العارمة التي اجتاحت جموع الحاضرين. البعض منهم قال أنه متأثر جداً برؤية فيروز لأول مرة على المسرح. أحدهم قال أن ظهور فيروز على المسرح كان "وكأن ملاكاً هبط من السماء" وأنها لحظة "تقشعر لها الأبدان"، حتى أن بعض الحاضرين أجهشوا بالبكاء من تأثرهم بهذه اللحظة. حاضرة أخرى من سوريا قالت بعد انتهاء الحفل إنها "لا تقدر أن تتصور حياتها دون فيروز". أخرى لبنانية قالت إن فيروز في نظرها "هي رمز الوطن والدين ورمز الوحدة."
سنوات من الانتظار
مسرح كاريه الملكي في أمستردام، حيث صدح صوت نجمة الغناء العربي فيروز
بعد أكثر من ساعتين قضتهما فيروز على المسرح، ودّعت الفنانة جمهورها بأغنية "بكرة برجع بوقف معكن". وبعد ما انتهت من الغناء، توارت فيروز خلف الستار، تاركة وراءها الجمهور الذي ظل واقفاً يصفق لها بحرارة أكثر من ربع ساعة بعد نزولها من على خشبة المسرح. مجموعات متفرقة من الحضور ألّفت جوقات غناء عفوية وراحت تردد وتغني أغان لفيروز بعد الحفل، الذي يقول البعض إنه قد يكون حفلها الأخير، ولكن لم يتمكن أحد من تأكيد صحة هذه الشائعات.
وبغض النظر عن صحة الشائعات، على المرء القول بأن حضور فيروز إلى أمستردام كان شبه معجزة، إذ أن إدارة مهرجان هولندا للفنون ظلت تحاول على مدى سنين عدة إقناع فيروز بالقدوم إلى أمستردام لأداء حفلة غنائية هناك. ومن الممكن أن الفضل في موافقة فيروز على القدوم إلى أمستردام قد يعود إلى مدير مهرجان هولندا للفنون، بيير عودة، وهو لبناني الأصل. ويبدو أن تكلل هذه المحاولات بالنجاح كان من حظ المعجبين بموسيقى فيروز، المغنية العربية ذات الصوت الفريد، التي جعلت حلم الكثيرين من خلال هذا الحفل الموسيقي يصبح حقيقة.
المصادر: المواقع العربية المعتبرة واليوتيوب
0 comments:
إرسال تعليق