بقلم المخرج العراقي موفق ساوا / سيدني *
لابد ان ندلوا بدلونا، وندلي برأينا كأكادميين، وكمخرج بعد ان غبنا عن الساحة الفنية منذ العام 2005، حيث سرقنا الإعلام، وأبى قلمي ان يكتب حول المسرح ، والسبب الحقيقي عدم مشاهدتنا لعرض يستفزنا، وبعد اعتكاف طويل سرقتُ بعض الوقت من جريدة العراقية وطلبت منها ساعتين لادلي برأيي في ما شاهدت عيني مساء يوم الاحد 10- 60-2012.
ففي البداية اقدم شكري لطاقم العرض الذين اجبرونا بعملهم ان نسطر هذه الاسطر المتواضعة متوخين الدقة والشفافية في التعرض لاي نص مسرحي او سينمائي. واقدم شكري الخاص لسعادة السفير وللقنصل اللبنانيين لدعوتهم لنا لنستمتع معهم بضع سويعات في مسرح الاستوديو في الاوبرا هاوس.
من اجل ان يصل بنصه العـَرَضـْي استغـل المخرج عباس حربي** تقنية المسرح فحاول تنسيق فضاءه بكل ابعاده وعمقه وشبكة الاضاءة بشكل فني وحاول، ايضا، التحكم في شكله للوصول الى هدفه في نصه العرضي وهو، في النهاية، يشكل الاطر الذي، بمجملها، تجري فيه الأحداث او نقل خلجات وأهات ورومانسيات مؤلف النص الادبي (ماذا أفعل بأجنحتي الآن؟) للشاعر الشاب ماهر الخير.
حاول المخرج، بالتنسيق مع مدربة اللوحات التعبيرية، استخدام وتوظيف (السيميوطيقا- علم الدلالة) في التعبير عن ايقاع العصر فباتت الدلالة في النص العرضي وفي جميع عناصر الانتاج الفني موظفا نص المؤلف (اشعار ماهر) معتمدا وموظفا لغة الإشارة، ولغة جسد الممثلين ورشاقة وخفة فرقة الرقص التي رسمت باجسادهن اجمل اللوحات التعبيرية للدلالة الى معاني ماهر الشعرية.
إستـَخـْدَمَ النص العـَرَضـي رموز وعلامات جمعية كمفردات للتشفير بشكل فني مقبول محاولا الابتعاد او السقوط في المباشرة والسطحية التي تقتل اي عرض مسرحي.
يطرح النص الشعري لماهر في ايقاعه الاول (بدء الكلمة) منتقلا بزمكانية الاحداث الى العهد القديم (سفر التكوين) في عميلة نشوء الكون لاسقاطة على الخارطة السياسية للقرن الحادي والعشرين لانتاج روية فنية معاصرة لا تغلفها اية ضبابية او اية اسلاك شائكة او اية مفخخات لقتل اجمل ما في الكون (الانسان)،منبها الجمهور لأبشع عملية وهي قتل الانسان لاخية الانسان (قابيل وهابيل) مذكرا بخطيئة آدم بأكل التفاحة ... ومن خلال كل هذه الاحداث حاول المخرج ربط شاعرية ماهر لإنتاج مشهد فني مستخدما الشراشف التي تذكرنا باستاذنا البروفسور الفنان المبدع سامي عبد الحميد وولعه وافراطه في استخدام الشراشف للتعبير،وخلق ايقاع متناغم ومتجانس للإرتقاء بالاحداث الى ذروتها التي تنتهي الى الحل او ابقاءه مفتوحا تاركا مساحة ومسافة لذهنية المشاهد لإيجاد الحلول حسب ما يتصور.
احببت من خلال هذه المقدمة ان افكك النص العرضي لوضع اجزائه تحت البقع الضوئية (Spot light) مبتعدين عن الآلة الجارحة لتشريح هذا الجسد الفني ، وما ادخال اي نص عرضي للمشرحة الفنية لا يهدف لتدميره، بل لتشخيص مناطق الضعف والارتقاء بالنصوص العروضية القادمة الى مناطق القوة من خلال معالجتها بكافة الوسائل المتاحة والمستخدمة على خشبة المسرح سواء بالكتل او بالاضاءة او بالازياء او...الخ.
الديكور
اشتغل العرض على مفردة ديكورية مركبة ذات دلالات وشفرات مستخدما (مصمم الديكور الفنان حيدر عباس عبادي) الصليب الرمز العالمي لعذاب الانسان في كل العصور وليس حصرا لصلب المسيح ونثر المصمم حروف اشعار ماهر على جذع الصليب كما واعتلى الصليب هلال ليوحي للمشاهد او لإيصال فكرة الوحدة الروحية بين الاديان السماوية لاغيا الافكار الشوفينية العمياء ، منيرا بديكوريته التلاحم التاريخي بين الاديان وخاصة في منقطة الشرق الاوسط التي احتضنت او انتشرت منها الاديان.
ومن خلال هذه المفردة الديكورية المرموزة لعذابات الانسان استطاع المخرج تغريبها (المفردة الديكورية) لعملية الولادة (نشوء الكون) وكاد المخرج ان يبعدنا عن دائرة اليقين ليدخلنا بدائرة الشك من خلال اجراء العملية التوليدية من فتحة وسط الصليب، فكادت ان تـُشـَفـّر تبعية المولود لهذه المفردة الديكورية الانفة الذكر لولا استخدامه الذكي للإضاءة التي اخرجته من هذا الاشكال بعملية (دم - أظلام) والتركيز على البيضة بالبقعة الضوئية التي وضعت اسفل الصليب فتم ايصال ما اراد المخرج من العملية التوليدية لنشوء الكون وبداية الشروع بعذاب الانسان والانسانية وحسب ما جاء به العهد القديم بأسفاره التكوينية.
ولا اعلم مَـنْ صمم الاضاءة التي اضافت عرضا اخر مساندا لعرض (ماهر - حربي) وكما هو مفهوم الاضاءة والوانها ووقعها السايكولوجي فقد استخدم مصمم الاضاءة سبوت لايت (بقعة ضوئية) محددا الهلال والكف (بعين واحدة التي كانت تراقبنا منذ بدء المسرحية ومنذ نشوء الكون) واعطى لهذه البقعة اللون الازرق المائل للسمائي وهي دلالة الاضمحلال والموت...؟؟!.
الممثلون
اعتمد المخرج على كادر عراقي لتنفيد وتجسيد رويته الفنية وخاصة الفنان أميل عامر والفنان حافظ الحافظ وضيف الشرف الفنان عبدالله البصري وابراهيم الحربي والمثلة الاسترالية شولا ولانا ونانسي والاطفال، علي وآدم حافظ .
واعتقد جازما انهم قدموا لوحتهم بشكل مقنع ويستحقون منا ان نقبل جباههم كما تعلمنا في كلية الفنون الجميلة ان نقبل خشبة المسرح قبل البدأ او قبل ان تطأ اقدامنا هذه الخشبة المقدسة.
الموسيقى والمؤثرات الصوتية
الموسيقى والمؤثرات الصوتية كانت، في هذا العرض، من العناصر الفنية المكملة للأيقاع الصوتي في عرض (ماهر - حربي) فقد ساندت وخدمت عرضهم واستعراضهم. اما الادارة كان لحسام صليوه (مساعد مخرج) وتعاونه صفاء الحربي، وهذا العرض الذي شارك فية اكثر من 15 ممثل وممثلة.
الاضاءة والمؤثرات الضوئية
الإضاءة والمؤثرات الضوئية كلها مرادفات واحدة، تختلف من مسرحية لأخرى حسب احتياجاتها الضوئية .. بل من مشهد لآخر داخل العرض المسرحي الواحد. وتخطيط المؤثرات الضوئية ارتبطت ببناء الديكور على خشبة المسرح.
وتم استخدام الإضاءة المحددة وهى الإضاءة التي تختص بتركيز الضوء على مساحة معينة من خشبة المسرح (بقعة ضوئية) دون غيرها لإيلاء اهتماما خاصاً لأداء شخصيات عرضنا هذا للفت نظر الجمهور إليها، كما ادت الاضاءة اليدوية (تورج لايت) دورها المرسوم لابراز مكان او جزء صغير من الجسد.
وفي ختام العرض كانت لنا وقفة مع مؤلف النص ماهر الخير، الذي اطل علينا بوجهه المشرق وبحروفه التي كانت تجري انهارا، كمصابيح المسرح، من ديوانه (ماذا افعل باجنحتي الآن؟) وانه عنوان فيه ايقاع وموسيقى وتساؤل مشروع لانسان فقد مشروعية البقاء مع البقع الضوئية السوداء التي انهالت علينا بداية نشوء الكون وتفاقمت بشكل ملفت في قرننا اللعـين هذا.
بقت كلمة لابد ان نقولها للشاب ماهر الشاعر كنت جميلا في الاداء واخفقت في التقديم، لانه وكما اعتقد، ليست مهمة المؤلف تقديم كادر العمل الفني.
تحية الى كل من صنع هذا العرض والى المزيد من العروض.. كما ادعوا من خلال هذه المقالة الشركات والمنتجين من ابناء جاليتنا ان يقتحموا مجال الانتاج المسرحي والسينمائي سيما واننا نمتلك من الكوادر الفنية والتقنية الكثير هنا في استراليا لبث المتعة والجمال في نفوس شعبنا في استراليا.
...................................
* اسم الديوان الاول (ماذا أفعل بأجنحتي الآن؟)
اسم الديوان الثاني(نقوش حب عربية)
للشاعر ماهر الخير – قنصل لبنان في كانبيرا
** (عباس حربي ثاني عراقي يدخل الاوبرا هاوس كذلك حيدر عباس عبادي بعد الفنان كاظم الساهر)
al-iraqianewspaper@hotmail.com
0 comments:
إرسال تعليق